كشف تحقيق نُشر أخيراً على موقع «مكتب الصحافة الاستقصائية» أنّ الولايات المتحدة
كانت تعمد إلى استخدام شركات علاقات عامة وإعلانات من أجل نشر صورة معيّنة عن الإرهاب، بما يتناسب مع عملها خلال احتلالها العراق
كشف موقع «مكتب الصحافة الاستقصائية» The Bureau of investigative journalism أن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» دفعت أكثر من نصف مليار دولار لشركة علاقات عامة بريطانية لإنتاج مقاطع مرئية مزيّفة عن الإرهاب في العراق، تقلّد أساليب الشبكات الإخبارية العربية.
وأشار الموقع إلى أن شركة «بيل بوتنغر» حصلت على 540 مليون دولار من البنتاغون نظير عمليات بروباغندا في العراق من عام 2007 إلى عام 2011.
وقال مارتن ويلز، أول موظف من الشركة البريطانية يتحدث لوسائل الإعلام، إنه عمل بجانب مسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى في مقرّهم الرئيسي في «معسكر النصر» Camp Victory في بغداد، بينما كانت المعارضة العراقية لوجود القوات الأميركية تستعر في الخارج. ونقل معدّو التقرير عن رئيس شركة «بيل بوتنغر» السابق، تيم بيل، تأكيده لصحيفة «صنداي تايمز» أن شركته عملت على عملية عسكرية سرية جرت تغطيتها باتفاقيات مختلفة. وفي السياق، أشار التحقيق إلى أن تيم بيل يعدّ من أبرز المديرين التنفيذيين في مجال العلاقات العامة في بريطانيا، ويُنسب إليه صقل صورة مارغريت تاتشر «الفولاذية» ومساعدة «حزب المحافظين» على الفوز في ثلاث عمليات انتخابية.
وذكر بيل أنّ الوكالة كانت تقدم تقارير إلى «البنتاغون» ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» ومجلس الأمن القومي، عن عملها في العراق.
وأشار التقرير، نقلاً عن مارتن ويلز، إلى أن عمليات الشركة كانت تتضمن ثلاث مهمات رئيسية، هي إنتاج مواد تلفزيونية تعكس صورة سلبية عن تنظيم «القاعدة»، وإنتاج مواد تلفزيونية تظهر كأنها مصنوعة للقنوات التلفزيونية العربية، أما المهمة الثالثة فقد كانت حساسة للغاية وتشمل إنتاج أفلام مزوّرة منسوبة إلى تنظيم «القاعدة».
وبحسب ويلز الذي كان يعمل خبيراً في إنتاج الفيديوات، فإن الأشرطة والمقاطع وإنتاج «بيل بوتينغر»، بشكل عام، كانت تُعتمد أولاً من قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد باتريوس، أو حتى من البيت الأبيض في بعض الحالات. وقال ويلز إنه كان يتم إعطاؤه ملاحظات دقيقة للغاية، وكان يستخدم الصور والمواد التي ينتجها تنظيم «القاعدة»، فيما كان عليه أن يُنتج مقاطع مدتها 10 دقائق، وبشكل معيّن ومشفّر وبصيغة ملفات محددة.
أما عن كيفية توزيع هذه الأشرطة، فقد كان جنود البحرية الأميركية يحملونها معهم، أثناء دهمهم وعملياتهم في القرى والبلدات العراقية، وهناك يرمون الأقراص المدمجة في الوقت الذي يثيرون الفوضى في المكان، ولاحقاً سيجدها أحد العراقيين. لكن ويلز أشار إلى أنه لم يكن يمكن مشاهدة هذه الأفلام إلا عبر برنامج «ريل بلير» Real player، وأثناء ارتباطه بالإنترنت، وهو ما يؤدي إلى نقل المعلومات الخاصة بالشخص الذي قام بمشاهدتها إلى «مخيّم النصر»، عبر حساب على Google Analytics، وهي أداة من أدوات «غوغل» تتبع مستخدمي المواقع على الشبكة، لمعرفة أماكنهم وعناوين أجهزة الكومبيوتر خاصتهم IP addresses.
وبحسب ويلز، فإن حسابات التتبّع تلك لم تكن متاحة إلا في نطاق محدود للغاية، إذ كانت تصل معلومات مشاهدي الأقراص إليه شخصياً، وإلى عضو آخر في إدارة «بيل بوتينغر»، وأخيراً إلى قيادات رفيعة المستوى في الجيش الأميركي. ويلفت التحقيق إلى أنه في ذروة عمل الشركة، كان لديها 60 موظفاً في بغداد، إضافة إلى 200 موظف محلي.
ويشير التحقيق إلى أن «مكتب الصحافة الاستقصائية» استطاع تتبّع أكثر من 540 مليون دولار من العقود بين البنتاغون و«بيل بوتينغر»، وهي عقود تتعلق بعمليات إعلامية ومعلوماتية بين أيار 2007 وكانون الأول 2011. وتحدث التقرير عن أن هناك عقداً سنوياً بلغت تكلفته 120 مليون دولار في عام 2006.
وكانت معظم هذه الأموال تتعلق بنفقات الإنتاج مثل التوزيع والنشر، لكن الوكالة أكدت أنها حصلت من هذه العقود على ما يقارب 15 مليون جنيه إسترليني (حوالى 20 مليون دولار) من الأرباح.
وفي هذا الإطار، يوضح ويلز أن الأماكن التي كان يتم تتبع هذه الأقراص إليها، قد تكون في إيران، أو في بقية مناطق العراق بطبيعة الحال، وربما سوريا، وأيضاً في أميركا.
ويؤكد التقرير أنّ العمل في العراق كان مربحاً للعديد من الوكالات، مشيراً إلى الشركات التي تشبه في طبيعة عملها «بيل بوتينغر»، ذلك أن التحقيق الذي قام به موقع «مكتب الصحافة الاستقصائية» رصد وجود أكثر من 40 شركة جرى التعاقد معها، بين عامي 2006 و2008، للقيام بمهمات تتعلق بإنتاج الفيديو والمنتجات الدعائية للراديو وللتلفزيون أو حتى لتنظيم استطلاعات للرأي، لكن ذلك لا ينفي أن شركة «بيل بوتينغر» كانت أكثر من استفاد مادياً من ذلك النوع من العمليات.
ويلز كان يرى أن الهدف من عمل الشركة هو تسليط الضوء على الفظائع التي يرتكبها تنظيم «القاعدة»، معتبراً أنه «ربما يكون شيئاً جيداً»، لكن ذلك لم يمنعه من الإشارة إلى أنه كان داخله «تساؤل مستمر بشأن ما نفعله، هل كان صواباً؟».
ويختم ويلز بتساؤل آخر: «هل حققت هذه المواد أهدافها؟ لا يمكن لأحد أن يعرف»، مضيفاً «إذا نظرت إلى الوضع الآن، فإنه يظهر أنها لم تحقق هدفها، ولكن في ذلك الوقت لا أحد يعرف ما إذا كانت قد أنقذت حياة أو كان لها تأثير جيد».