الفنون والاداب

الشاعرة والإعلامية العراقية امنة عبد العزيز

حاورها – قصي الفضلي

أديبة وشاعرة وأعلامية عراقية تعيش الأغتراب

داخل غياهب وطن يعيش الغربة، عاشت تجربة الحرب المريرة فأنتجت دواخلها أساطيل الحب والحزن! هكذا تعرف نفسها بلغة الشاعرة . أمتهنت الصحافة في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم وعملت بعالم الجمال والمتاعب في صحف عراقية وعربية ولعل أبرزها صحيفة السياسة الكويتية والانباء ومجلة اليقظة , وكانت أنطلاقتها نحو فضاء أرحب لعالم صحفي  يتمتع بحرية الرأي ومن ثم توالت تجاربها المهنية والمخاضات لتمر كل يوم بتجربة غزيرة تزيدها خوفاً وفرحاً على حد سواء، هي آمنه ببساطة لاتختفي خلف مسمى (ما) أنسانيتها تنتصر فوق أي مسمى. ” العربي اليوم  ” وعبر الأثير ضيفت الشاعرة والإعلامية العراقية امنة عبد العزيز وخاضت معها حواراً موسعاً لتخرج بالمحصلة التالية :

ماهي أرهاصات الغربة عن الوطن , وما تثير فيك من هواجس شعرية ؟

– الغربة التي يعيشها الأنسان والمثقف على وجه الخصوص تخلق في نفسه تداعيات كثيرة ليس أولها البحث عن الذات ولا أخرها الوطن ! فهناك أغتراب داخل الوطن الأم يعيشه الكثيرون وهو أصعب من غربة الشتات ولذا بات نتاج الأديب المغترب بهتا قياسا بنتاج الأديب داخل وطنه فالأول يعيشه تداعيات ذاكرة وأرهاصات بعيدة عن الحاضر الملموس والثاني يعيشه هموم وقلق وتمني وخوف وأمل وصراعات بعدة وجوه وهو الواقع الحقيقي ، لذا نجد في الأغتراب نتاجات أثرت على عطاء المثقف بالشكل الرصين وأخرى أبدع بها وحسب قدراته الفردية ، الغربة تجربة شخصية عشتها في تقاطعات عدة وكانت توقظني من أحلام الوطن الغريب في داخلي وهي الغربة التي تشطرني الى دويلات أمرأة أمسى أقاصي همها أن تصل لقصيدة تختزلها فتحكي بلسان كل الغربة  التي تعيشها!

غيابك

أنشطر بالريح

لتحملَ الأمواج ُغيابك

هذا الهوس المتعالي

يسبق فراديس لحظي

أجالس الغرباء وأني

محشوة ٌبالآه

أرتشرف شفاهي

فنجان ُقهوتي يسخر مني

المقهى هذا يضج بالهمس

بالدخان

بالنساء

بالحلوى

بالأوطان

وآه  روحي يلوكها قلبي

ذاك الجالس فوق نظراتي

لايشتهي عيني

فقط يراوغ الشوق بالتحدي

أنا

وبعضي

وكثير من وطن يرافقني

أرى في تلك الأمواج

قامتك

وأجد مقايسَ الماء جسدي

لم  نرمي أزمنة العناق بالفراق؟

وأن نعد َاللحاظ

ننفرط عدا تنازلي..

*  كيف تنظرين للتحولات الحاصلة في الساحة الشعرية وانعكاساتها على وعي المرأة العربية ؟

– كثيرا ما قلتها في محافل الثقافة داخل وخارج الوطن أننا شعوب محكوم عليها بالعاطفةوهو حكم تكاثرت من ورائه الشعراء والشعر وهي ليست سبة بل أشتغال القلب قبل العقل!

ولو أستقر الحال السياسي للمجتمعات المنطقة العربية لن يكون هناك زخم نتاجات ثقافية كالتي نشهدها هو بالتالي حافز للولادات القصرية للشعر وفي هذا الصدد خفتت نتاجات المرأة وقل وعيها عكس نصيفها الرجل الشاعر إلا قلة من جمع مثقفات يمتلكن زمام الوعي والكتابة والسبب أن المجتمعات العربية في مناطقنا الموبؤة بالصرعات والحروب تضيق الخناق على وعي المرأة بسبب تقاليد مجتمعية وعبأ المسؤولية الملقاة على عاتقها والخوف من المرأة الواعية في تنشأت أفكار جيل قادم وهذه حقيقية عميقة يدركها من ينظر للمسألة بعمق.

هل يعد الشعر خاضع لمقايس التجنيس ويرتبط بذكورية الرجل وتأنيث المرأة ؟

– الشعر ليس خاضع لمقايس التجنيس ولا يرتبط بذكورية الرجل أو تأنيث المرأة ،  الشعر جزء من تداولات حياتية وأنسانية خاصعة لمتغيرات الحياة اليومية وأيقاعاتها وبالتالي هو تدوين لكل شيء بصيغة شاعرية وأحيانا ثورية ربما تتحدث المرأة الشاعرة بأسلوب مرهف وهذا قد يعتبره البعض مأخذ عليها وهي الحالمة العاشقة حتى في لغة الهجران والفراق، وهناك نصوص شعرية كتبتها شواعر أستطعن من خلالها ترك بصمة قوية في جسد القصيدة الحديثة ولهذا أقول : المرأة الشاعرة لاتكتب ومضات بل تؤرخ لحياة أنسانية تؤشر من خلالها العاطفة الجياشة والحب والأمل بشكل جميل.

*  متى  تبلورت لديك مراحل النضوج الفكري وحددت مسار الذات الابداعية  ؟

– الكتابة تنمو كما الأشجار فتكبر وتثمر وأجد في تجربتي محطات ومسارات كثيرة تبلور نتاجها في مراحل النضوج الفكري أي بعد أن أمتزج بداخلي تجارب المشاركات  الثقافية الخارجية والداخلية ومازلت أجد في ذاتي الأبداعية محطات لم أصلها بعد وأتهيب منها فلا يمكن لأي أديب ومثقف أن يقتنع بأبداعاته فأن أقتنع هذا يعني خط النهاية !

أنا كسولة بعض الشيء ومنتجة جيدة وهذا مأخذ على نفسي لذا صدر لي  مجموعة أولى ( القارة الثامنة) و( شوارع المغيب ) و(رثاء الطين ) و( البحر يليق بموتي ) وهناك مجموعة في دار النشر تحمل عنوان ( حينما يأس الخريف مني ).

هل يولد النص الشعري من رحم الحزن أم من روح الفرح ، وهذه الأشكالية كيف تجسدينها في العطاء التدويني ؟

– أن النص الشعري يولد من رحم الحزن أكثر من أن يولد من روح الفرح وهذه أشكالية جميلة فأنا أكون في قمة العطاء التدويني لحالات الألم والفراق واللوعة فأكتب القصيدة بشكل مختلف تماما عن حالة الأستقرار النفسي وفي لحظات الفرح تكون كتاباتي قليلة لكنها مشبعة بالألوان والحب والأخضرار والأمل .. لذا الطقوس التي تجعلني راغبة وعاشقة للكتابة تختلف حسب المكان والزمان ومحكومة بروحية النص الذي يجبرني على الكتابة وربما تثيرني نخلة وحيدة في أرض يباب أرى فيها أمي الراحلة عني تستنجد بي من حياة أخرى! أو طفل يمسك قطعة خبز ويجلس على قارعة الطريق يبحث في عيون المارة عن شيء نجهله!

*  هل حققتِ تطلعاتك وماتصبين اليه ، وماهي مشاريعك المستقبلية؟

– ليس بعد وام أحقق إلا القليل القليل وتطلعاتي لاتقف عند حدود الشعر فقط بل هناك طموحات في مجالات النشاط الأنساني الخاص بالطفولة والصحافة التي هي مهنتي الأم ولدي مشاريع كتب عن تجربتي الصحفية ومذكراتي الخاصة وعن تطلعاتي لأقامة معرض شخصي لرسوماتي وهي هواية لا أحتراف أتمنى تحقيقها أن شاء الله.

*   كيف كانت رحلتك مع دواوين الشعراء الكبار   ؟

– في سنوات المراهقة قرأت لنزار قباني ومحمود درويش وغادة السمان  وكل مايقع بيدي لكتاب ينحازون للحب والجمال والمغامرة ، وبعد زمن من نضوج رحت أسوح في بلاغة الشعر القديم  فعشقت المتنبي بفحولة شعره وأعتداده بنفسه وحسبه ونسبه وهجاء هصومه وعشقه المتواري خلف بلاغته ولم أخرج من العيش في ظلال القوافي له إلا للولوج بين ثنايا الحرف الشغوف للعشق للشاعر عمر أبن أبي سلمى وتتوالى القرآأت لأرى بالأدب الأنكليزي شيء مذهل والأدب الروسي والأدب الفارسي القديم والمعاصر .

*   كلمةاخيرة  ؟

– حينما سأل شهريار شهرزاد هل أنتهيت من الحديث أم للحديث آخر ؟ قالت يامولاي : أن الفجر حين لاح أدركني النعاس وللحديث عيون تتفتح في الليال! لذا للحديث شوق آخر لايخلو من الشعر والأمل في أفق أبيض بعيد عن لغة الحروب وينفتح على حكايات شيقة ترويها ألف شهرزاد جديدة تحمل بين لياليها الجمال والسلام والحب.. وقلت :

غيابك..

أنشطر بالريح

لتحملَ الأمواج ُغيابك

هذا الهوس المتعالي

يسبق فراديس لحظي

أجالس الغرباء وأني

محشوة ٌبالآه

أرتشرف شفاهي

فنجان ُقهوتي يسخر مني

المقهى هذا يضج بالهمس

بالدخان

بالنساء

بالحلوى

بالأوطان

وآه  روحي يلوكها قلبي

ذاك الجالس فوق نظراتي

لايشتهي عيني

فقط يراوغ الشوق بالتحدي

أنا

وبعضي

وكثير من وطن يرافقني

أرى في تلك الأمواج

قامتك

وأجد مقايسَ الماء جسدي

لم  نرمي أزمنة العناق بالفراق؟

وأن نعد َاللحاظ

ننفرط عدا تنازلي..