المقالات

الأصول الدبلوماسية والحلول السياسية

تقتضي الدبلوماسية بذل الجهود، في رفع الحواجز والقيود،وعدم الخروج

على المَعهود،وضبط النفس غير المَحدود، اذا اتسمت العلاقات بالركود، وخيّم عليها الفتور والجمود، واقتربت من الطريق المَسدود. ولا بد لها من صدق الوعود، واحترام نصوص المواثيق والعهود، بغية تحقيق الهدف المنشود. ولا يجوز للدبلوماسي المُخضرَمِ، محاولة عبور الطريق المُلّغم، وتجاوز حدود الممنوع والمُحَرّمِ، كما فعل كيري حين تكلّم، بتحريفه المعنى الحقيقي للقيم، التي قرّبَت بين الشعوب والأمَم، وبَسَّطت لغة التفاهم مُنذ القِدَمِ، وسَهّلت تواصل العرب مع العجم.

إن ما صدر مؤخرا، من تصريحات غير منضبطة لبعض المسؤولين في الناتو والإدارة الأمريكية والبريطانية، تستوجب الرد على ما ورد فيها منمغالطات ومبالغات لا تمت الى الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية بصلة، لكونها تعكس صورا مشوهة لواقع حال العديد من الدول، التي عانت ولا تزال تعاني من التآمر والعدوان الأمريكي ضدها. وقد علقت البعثة الروسية الدائمة لدى الامم المتحدة على كلام المتحدثين الغربيين والأمريكيين بالقول: ” علينا أن نعترف بأن الأسس الأخلاقية لبعض زملائنا في مجلس الأمن اهتزت بشكل جدي “.

ولعل ما صرح به وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، حول غزو العالم بـ “قيم” بلاده، يكفي لكشف الزيف الواضح، ومدى التحريف الفاضح، لما تعنيه كلمة القيم. فالصواريخ والطائرات تصبُّ أطنان الحِمَم، والضحايا بالنسبة لأمريكا مُجرد رقم، لا تهتز لهولهِ عرب القِمَم، ولا المُصابين بالعمى والصَمم، في مجلس الأمن وهيئة الأمم.

يقول جون كيري :” لا أعتقد أن روسيا والصين يستوليان على العقول والقلوب، بل أرى أنهما يستخدمان القوة من جهة، ويضخان مبالغ مالية طائلة من جهة أخرى بهدف تطبيع علاقاتهما”.

لا شك بأنكيري واهم، وبتصديق الناس له حالِم، تؤرِّقهُ روسيا وهو نائم، فيشخر اكثر من اللازم، وينهض وهو للصين شاتم، وعلى دول البريسك ناقم، مُهَدِدا سوريا بالخطر القادم، ومتوعدا باتخاذ القرار الحاسم، في محاربة النظام القائم، بداعش وبقية قطعان البهائم .

أما ما يخص الاستيلاء على العقول، فأمره بعيدٌ عن المقبول، لتجاوزهِ حدود المنطق المعقول، كحال الاستيلاء على القلوب، الذي يقرأهُ كيري بالمقلوب،ويفهمه لا كما هو المطلوب، وانما كما يفهمه الكذوب، إذ ليس بين كل الشعوب، مَن يرضى بهمجية العدوان والحروب، وجعل الأوطان كالبقرة الحلوب، لحكومةٍ آلت شمسُها الى الغروب.

ويدعي جون كيري بأن ” الفضاء السياسي لروسيا والصين يضيق باستمرار”.

ومثل هذا التفكير حافل بالأخطاء، نظرا لاحتمال تحول هذا الفضاء، الى فرص التخلص والقضاء، على من تسبب بالكوارث والبلاء، اذا ما تطورت العلاقات بين الأصدقاء، وبلغت أقصى التعاون في السراء، وتوحدت قواها الضاربة في الضراء، لمجابهة ما يخطط له الأعداء .

ان الفضاء السياسي يضيق فعلا ولكن,لا بمَن يُطالب باتخاذ القرار، القاضي بالوقف الفوري لاطلاق النار، ووضع حد لاستمرار القتل والدمار، وإنما يضيق بدولة يحكمها الأشرار، وحفنة الأتباع الدافعين بالـريال والدولار، لزمر القابضين من مختلف الأمصار، لقاء قتل النساء والاطفال الصغار، وتهجير الملايين من أهل الدار.

هيستيريا التصريحات المُعادية لروسيا :

لم تهدأ حملات الكذب والتضليل،التي تسببت رياح عواصفها المندفعة من واشنطن ولندن وباريس باتجاه موسكو، في تعكير اجواء المباحثات واللقاءات العديدة بين وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف ووزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري . وكانت لهجة التحذير المتكررة، والتهديد المبطن، واضحة في تصريحات بعض المتحدثين باسم الخارجية الأمريكية كمارك تونر، الذي قال بأن الاتصالات مع موسكو بشأن سوريا قد وصلت الى حافة الانهيار، والأدميرال جون كيربي،الذي حذر قائلا  ” إننا ندرس خطوات قد نضطر للإقدام عليها للشروع في تعليق تعاوننا مع روسيا بشأن سوريا”.ولم يتخلف وزير خارجية بريطانيا عن شد الرحال واللحاق بركب قافلة التحريض، باصراره على اتهام سلاح الجو الروسي بضرب قافلة المساعدات في حلب، على الرغم عرض الأدلة الدامغة، التي قدمتها وزارتي الدفاع والخارجية الروسية حول قيام الارهابيين بضربها.

واذا كان التهور والغطرسة والعنجهية لصيقا بسياسة الولايات المتحدة الخارجية وممثيلها، والمتحدثين باسمها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي انعكست نتائجه الكارثية في الحرب الأمريكية العدوانية على العراق وافغانستان، والأستفراد بدول المنطقة، والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لبلدان العالم، فإن ما مَيّز وتميّزت به السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية وممثليها في المحافل الدولية، هي الخبرة السياسية والحنكة الدبلوماسية في معالجة القضايا الدولية المعقدة، كتلك التي يمر بها الشرق الأوسط.

يصح القول بأن الدبلوماسية فنٌ وذوقٌ واخلاق، لا يجوز فيها على الاطلاق، قلب الحقائق وخلط الاوراق، واتباع اساليب الكذب والنفاق، كما حصل مع ليبيا والعراق، ويحصل في سوريا واليمن، بنشر سموم الفرقة والفتن، وحبك مؤامرات تمزيق الوطن

د. وسام جواد